الاستغفار الصادق مع المداومة على الذنوب
وهنا أمر آخر، وهو حال الذي يستغفر الله بلسانه -وهو صادق- بعد الصلوات وفي أماكن الإجابة وأوقاتها، ولكنه في الوقت نفسه مصر على الذنوب.فهذا إما أن نقول فيه: إن هذا لا ينفعه؛ هذا كلام مجرد؛ لأنه لم يكف ويقلع عن الذنوب، فكيف يستغفر الله بلسانه وهو لم يكف عن الذنوب؟! وإما أن نقول: إن ذلك ينفعه. فيقال: كيف ينفعه ولم يؤثر فيه، بل هو مقيم على الذنب مصر عليه؟! فكلا القولين عليهما اعتراض. والصحيح أن نقول: إن هذا الاستغفار دعاء كسائر الأدعية، فإن شاء الله استجاب له وغفر له، فلو لقي الله بذلك الذنب مصراً عليه قبل طلبه الاستغفار فغفر له، وإن شاء تعالى لم يجبه فهو دعاء، ولذلك لا نقول له: لا تستغفر، بل نحثه ونحضه على أن يذكر الله ويستغفر الله على كل أحواله ما استطاع، فذلك يخفف الذنوب وربما محاها، فربما قال: أستغفر الله بقلب صادق فيستجيب الله له ويغفر له على ما كان منه ولا يبالي، كما في حديث أنس ، فهذا يمكن أن يتحقق.إذاً: الاستغفار التام الذي تحصل به الثمرة التامة هو الذي تتبعه الإنابة والتوبة والندم، والذي يكون مع عدم الإصرار، بل يكون بالقلب والجوارح، وينال العبد به مطلوبه من ربه كاملاً بأن يغفر الله ذنبه ويقيه شره ويرفع درجته ويبدل سيئاته حسنات.يقول ابن رجب رحمه الله تعالى: (فأفضل الاستغفار ما قرن به ترك الإصرار وهو حينئذٍ يؤمل توبة نصوحاً، وإن قال بلسانه: (أستغفر الله) وهو غير مقلع بلقبه فهو داع لله بالمغفرة، كما يقول: اللهم اغفر لي، وهو حسن، وقد يرجى له الإجابة، وأما من قال: توبة الكذابين فمراده أنه ليس بتوبة كما يعتقده بعض الناس، وهذا حق فإن التوبة لا تكون مع الإصرار).أي: من كان من السلف يقول: إن الاستغفار باللسان مع الإصرار على الذنب توبة الكذابين؛ فإنما يقصد هذا الجانب، أي أنه يستغفر الله، ولكنه لا يتوب ويظن أنه قد تاب توبة صادقة نصوحاً، وقد غفر الله له بمجرد أنه قال بلسانه: أستغفر الله.